حين يُفتح باب السلطة على مصراعيه أمام رجلٍ كان بالأمس مسؤلًا عاديًا، تتبدل الملامح، وتتغير القلوب، ويُختبر الضمير في لحظةٍ فاصلة بين الأمانة والطمع. فالمناصب لا تصنع الرجال، لكنها تكشفهم، والكرسي ليس امتيازًا بل امتحانًا عسيرًا لا ينجح فيه إلا من حافظ على نقاء يده وصفاء سريرته
في هذا التقرير، نزيح الستار عن قصةٍ صارت حديث الكبار في الغرف المغلقة، قصة الرجل الذي أصبح “الأقوى” في مكتب الوزير، بعدما كان مجرد مسؤول، قبل أن يغريه بريق النفوذ ودفء المقعد المريح قرب رأس الوزارة
بداية الصعود لمسؤول مكتب الوزير
في العام 2024، أصدر المهندس شريف الشربيني قراره الشهير بتكليف المهندس (أ. م. ع) مسؤلًا كبيرًا بمكتبه، في خطوة بدت وقتها تكريمًا للثقة، وتأكيدًا على الصداقة القديمة التي جمعت بين الرجلين.. علاقةٌ قيل عنها إنها تقوم على الاحترام المتبادل، لكنّ الأيام كشفت وجهًا آخر لتلك الصداقة، حين تحولت إلى بابٍ خلفيّ للنفوذ والتجاوزات
بداية فضائح الرجل القوي بمكتب وزير الإسكان
لم تمر سوى أشهر قليلة حتى بدأت ملامح التغيير تظهر بوضوح. كانت الوزارة التي اعتادت الانفتاح والعمل العام، قد أغلقت أبوابها شيئًا فشيئًا، وأصبح مكتب الوزير أشبه بحصنٍ منيع لا يدخله إلا من يحمل “مفاتيح الرضا” من الرجل القوي، تغيرت لغة التعامل، وصارت الأوامر تُنفّذ باسم “المكتب”، لا الوزير، وأصبح الوصول إلى المسؤولين مهمة مستحيلة، إلا لمن يملك نفوذًا أو جمالًا أو كليهما.
بداية الحديث عن الهدايا والعطايا
في الكواليس، كانت الحكايات تتناسل، تتسرب همسًا بين القيادات والقريبين من دائرة مكتب الوزير، حتى صار لها صدى خارج الوزارة، كان اسم المهندس (أ. م. ع) يُذكر دائمًا في سياق تدور حوله الشبهات، والحديث عن الهدايا والعطايا التي تُقدّم له، لكنّ القصة التي هزّت أركان الوزارة في صمت وفتحت أبواب الرقابة، كانت تلك التي جمعته برجل الأعمال المعروف (محمد. ع. ظ)، رئيس شركة «أيكون» للتطوير العقاري والمقاولات
فيلا مدينة الرحاب عربون محبة
بدأت العلاقة كأي علاقة عملٍ لرجل أعمال بالوزارة، ثم تحولت إلى صداقةٍ ظاهرها المجاملة وباطنها المنفعة، رجل الأعمال، الطامح في تسهيل إجراءاته، وجد في الرجل القوي بمكتب الوزير ضالته، والمسؤول وجد في الثريّ طريقًا إلى الثراء السريع، تبادل المصالح كان العنوان العريض، والنتيجة: فيلا فاخرة في مدينة الرحاب كهديةٍ وعربون محبة
لكن الجشع لا يعرف الاكتفاء؛ فحين رفض رجل الأعمال أن يُلبي مطالب إضافية، اشتعل غضب الرجل القوي، وأغلق الباب في وجهه، كلما حاول زيارته، كان الرد نفسه: «المهندس مشغول مع الوزير»، وحين شعر رجل الأعمال بالإهانة، قرر الانتقام على طريقته، فقام بطرده من الفيلا التي كانت يوماً عربون صداقة.
فيلا العاصمة الإدارية
لم يهنأ الرجل القوي طويلاً بفقدها، فسرعان ما انتقل إلى مسكنٍ آخر، في العاصمة الإدارية الجديدة، حيث حصل على فيلا دوبلكس بالمخالفة للقواعد، مستغلاً سلطته ونفوذه داخل الوزارة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل طلب من إحدى شركات المقاولات أن تتولى التشطيب الكامل على نفقتها الخاصة «تقرّبًا» منه.. الشركة وافقت بصمتٍ مطبق، فالمناصب تُرهب أكثر مما تُقنع
الجهات الرقابية تتدخل
كانت الرائحة قد فاحت، وملف الشبهات وصل إلى مكاتب الجهات الرقابية التي تابعت كل تفصيلة بدقة، وبعد شهورٍ من التحري، أوصت بالتخلص منه، فقرر الوزير إبعاده إلى إحدى الشركات التابعة للوزارة، وبالفعل تردد في جنبات الوزارة أن القرار قد صدر في محاولة لاحتواء الأزمة دون ضجيج.
لكن القرار لم يُنفذ، الوزير رغم نزاهته التي يشهد بها الجميع، تراجع عن التنفيذ في اللحظة الأخيرة، خشية أن يُقال إن رجاله ـ الذين اختارهم بنفسه ـ متورطون في الشبهات، وربما رأى أن التوقيت لا يسمح بفضيحة جديدة تسيء إلى مسيرة وزارة تتعرض دومًا للضغوط والهجوم، ومع ذلك، ظل السؤال الأهم مطروحًا في الكواليس: لماذا لم يترك الوزير القانون يأخذ مجراه؟
« استمر المهندس (أ. م. ع) في ممارسة نفوذه داخل المكتب، يتعامل مع الجميع وكأنه الوزير نفسه، يقرر من يدخل ومن يُمنع، من يُكرّم ومن يُقصى. تزايدت الشكاوى، وارتفعت الأصوات، حتى بات الجميع يتساءل: هل هذا هو الوجه الحقيقي لمكتب وزير الإسكان؟
لماذا؟ سؤال تتردد أصداؤه في كل ركن من أركان الوزارة، هل خشي الوزير أن يُفسر القرار على أنه اعتراف بالخطأ في الاختيار؟ أم أن الصداقة القديمة كبلت القرار؟ أم أن “الرجل القوي” يمتلك ما يجعله عصيًا على العزل؟
من يعرف الوزير يدرك أنه رجل حازم، نزيه، لا يرضى بالفساد، لكنه اليوم يجد نفسه في مأزقٍ حقيقي بين سمعته التي بناها على مدار سنوات، ورجلٍ كان يومًا قريبًا منه وأصبح اليوم عبئًا ثقيلًا على كتفيه.
الملف لم يُغلق، والحكايات لم تنتهِ، فهناك فصل جديد بدأت ملامحه تظهر، عنوانه «ش» وحكايتها مع «م»، وهما اسمان يترددان الآن في الوزارة كأبطال واقعة جديدة من التجاوزات للمسؤول الكبير سنكشف تفاصيلها في الحلقات القادمة
الأحداث الجارية حولت العلاقة بين الوزير والرجل القوي بمكتبه إلى عبءٍ يثقل الوزارة ويثير الشكوك حولها، فكيف لوزيرٍ يشهد له الجميع بالصرامة أن يصمت على هذه التجاوزات؟ وهل سيستمر في حماية من أساء لسمعته ولسمعة الوزارة؟
اقرأ أيضا









